قال الحسن البصري -رحمه الله- ( لا يغرنك قول " يحشر المرء مع من أحب" فان اليهود والنصارى يحبون أنبيائهم وليسوا معهم ، ولكن اعمل بعملهم تحشر معهم )

مواضيع المدونة

الأربعاء، 22 مايو 2013

آفة المتعالمين والمخرج من ذلك

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن لكل شيء آفة، ولكل آفة مخرج ودواء في هذه الحياة، ولقد ابتليت الأمة الإسلامية اليوم بالتعالم والمتعالمين في دين الدين الله تعالى، فكثر المتكلمون في شريعة الله تعالى على غير بصيرة وبغير علم ولا فهم للكتاب والسنة، فأخذوا العلم عن القراطيس والصحف والكتب وتركوا الأخذ عن الرجال الذين هم أهل العلم وحملته، فنشأت الفوضى العلمية التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم، فهؤلاء أطلق عليهم شيخنا الفوزان: " مشايخ الورق ".

وقال عنهم بعض أصحابنا " مشايخ الغفلة

وهم كما نقل ابن جماعة الكناني قوله: " وكان بعضهم يقول: " من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف ".

فمن لم يُعرف عنه أخذه للعلم عن العلماء ولم يُشهد له بالطلب ولم يُشتهر بذلك؛ فحريٌ أن لا يُصَدّر مجالس العلم ومنابر الفتوى ولا يُشار إليه بالبنان ولا يُجلس إليه.

قال: قال ابن جابر: " لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له بالطلب

قال أبو زرعة: فسمعت أبا مسهرٍ يقول: " إلا جليس العالم فإن ذلك طلبه

قال الخطيب ـ البغدادي ـ: " أراد أبو مسهر بهذا القول؛ أن من عُرفت مجالسته للعلماء وأخذه عنهم ، أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله، والله أعلم ".
"الكفاية في علم الرواية" (ص:149).ط. 1410هـ.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

الأمر بأخذ العلم الشرعي من حملته:

قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ )، ثَلاثًا،
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَنْفَدُ، وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟
فَغَضِبَ لا يُغْضِبُهُ اللَّهُ،
ثُمَّ قَالَ: ( ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، أَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ فِي بني إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ ذَهَابُ حَمَلَتِهِ )"ثَلاثًا.
أخرجه "الطبراني في الكبير" وسنده حسن في الشواهد والمتابعات، وله شاهد عند أحمد والترمذي.

وهذا الحديث وأمثاله؛ يقرر وجوب الأخذ من العلماء والتلقي عنهم وليس من الكتب والصحف والأوراق.

روى صالح ابن الإمام أحمد عن أبيه قال:
سمعت أبى يقول: ما الناس إلا من قال: حدثنا وأخبرنا.

ولقد التفت المعتصم إلى أبي فقال له: كَلِّم ابن أبى دؤاد، فأعرض عنه أبي بوجهه، قال:
" كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط " .
"الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع" (28) للقاضي عياض.

وهذا أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي
من أئمة المالكية بالمغرب، والمتسمين في العلم، المجيدين للتأليف، كان ينكر على معاصريه من علماء القيروان سكناهم في مملكة بني عبيد، وبقاؤهم بين أظهرهم، وأنه كتب إليهم مرة بذلك.

فأجابوه: أسكت لا شيخ لك.

أي لأن درسه كان وحده، ولم يتفقه في أكثر علمه عند إمام مشهور، وإنما وصل الى ما وصل بإدراكه، ويشيرون أنه لو كان له شيخ يفقهه حقيقة الفقه لعلم أن بقاءهم مع من هناك من عامة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام، وبقية صالحة للإيمان، وأنهم لو خرج العلماء عن إفريقية لتشرّق من بقي فيها من العامة الألف والآلاف فرجحوا خير الشرين. اهـ.
من كتاب: "ترتيب المدارك وتقرير المسالك" (4/623).

وأخرج الدارمي في "سننه"(467): عَنِ الأَوْزَاعِىِّ قَالَ :
" مَا زَالَ هَذَا الْعِلْمُ عَزِيزاً يَتَلَقَّاهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَقَعَ فِى الصُّحُفِ فَحَمَلَهُ أَوْ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ أَهْلِهِ ".
"المدخل" للبيهقي (1/410/رقم:741) تحقيق: الأعظمي.

وقال سليمان بن موسى:
" لا يؤخذ العلم من صحفي ".
"التمهيد" (1/46) لابن عبد البر.


قال أحدهم:
ولا تأخذه من صُحف فتُرمى من التصحيف بالداء العضال.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

العلم يؤخذ بالتلقي من العلماء:

قال أحدهم:
وإنك لن ترى للعلم شيئاً يحققه كأفواهِ الرجالِ
فكن يا صاح ذا حرصٍ وخذه عن الرجال بِلا مَلال

قال الشاطبي في "الموافقات":
هم ـ جمهور الأمة ـ مقرون بافتقار الجاهل إلى المعلِّم، علما كان المعلَّم أو عملا، واتفاق الناس على ذلك فى الوقوع وجريان العادة به كاف فى أنه لا بد منه وقد قالوا: "إن العلم كان فى صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتحه بأيدى الرجال"، وهذا الكلام يقضى بأن لا بد فى تحصيله من الرجال إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمي عندهم وأصل هذا في الصحيح:
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء .. ) الحديث.

فإذا كان كذلك فالرجال هم مفاتحه بلا شك
فإذا تقرر هذا فلا يؤخذ إلا ممن تحقق به وهذا أيضا واضح فى نفسه وهو أيضا متفق عليه بين العقلاء إذ من شروطهم فى العالم بأي علم اتفق؛ أن يكون عارفا بأصوله وما ينبنى عليه ذلك العلم قادرا على التعبير عن مقصوده فيه عارفا بما يلزم عنه قائما على دفع الشبه الواردة عليه فيه فإذا نظرنا إلى ما اشترطوه وعرضنا أئمة السلف الصالح فى العلوم الشرعية وجدناهم قد أتصفوا بها على الكمال". اهـ.

وقال:
" وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات تتفق مع ما تقدم وإن خالفتها فى النظر وهى ثلاث:

إحداها: العمل بما علِم حتى يكون قوله مطابقا لفعله فإن كان مخالفا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه ولا أن يقتدى به فى علم .

والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ فى ذلك العلم لأخذه عنهم وملازمته لهم فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك وهكذا كان شأن السلف الصالح .

فأول ذلك ملازمة الصحابة رضى الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأخذهم بأقواله وأفعله واعتمادهم على ما يرد منه كائنا ما كان وعلى أي وجه صدر فهم فهموا مغزى ما أراد به أو لا حتى علموا وتيقنوا أنه الحق الذى لا يعارض والحكمة التى لا ينكسر قانونها ولا يحوم النقص حول حمى كمالها وإنما ذلك بكثرة الملازمة وشدة المثابرة".

والثالثة: الاقتداء بمن أخذ عنه والتأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبى صلى الله عليه و سلم واقتداء التابعين بالصحابة وهكذا فى كل قرن وبهذا الوصف امتاز مالك عن أضرابه أعنى بشدة الإتصاف به وإلا فالجميع ممن يهتدى به فى الدين كذلك كانوا ولكن مالكا اشتهر بالمبالغة فى هذا المعنى فلما تُرك هذا الوصف رَفعت البدع رؤوسها، لأن ترك الاقتداء دليل على أمر حدث عند التارك أصله اتباع الهوى". اهـ.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

فوائد الملازمة والانقياد للعلماء والصبر عليهم:

قال الشاطبي في "الموافقات":
وتأمل قصة عمر بن الخطاب فى صلح الحديبية حيث قال: يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟
قال: ( بلى
قال: أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار؟
قال: ( بلى
قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟
قال: ( يا ابن الخطاب! إني رسول الله ولم يضيعني الله أبدا ).
فانطلق عمر ولم يصبر متغيظا فأتى أبا بكر فقال له: مثل ذلك.
فقال أبو بكر: إنه رسول الله ولم يضيعه الله أبدا ،
قال: فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه فقال: يا رسول الله! أو فتح هو؟
قال: ( نعم ).
فطابت نفسه ورجع .

فهذا من فوائد الملازمة والانقياد للعلماء والصبر عليهم فى مواطن الإشكال حتى لاح البرهان للعيان.

وفيه قال سهل بن حنيف يوم صفين:
أيها الناس اتهموا رأيكم والله لقد رأيتنى يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم لرددته. اخرجه البخاري، وإنما قال ذلك لما عرض لهم فيه من الإشكال وإنما نزلت سورة الفتح بعد ما خالطهم الحزن والكآبة لشدة الإشكال عليهم والتباس الأمر ولكنهم سلموا وتركوا رأيهم حتى نزل القرآن فزال الإشكال والالتباس". اهـ.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

عاقبة من يفارق العلماء؛ الزيغ والمخالفة للسنة:

قال الشاطبي ـ استكمالاً لماسبق ـ:
"وصار مثل ذلك أصلا لمن بعدهم فالتزم التابعون فى الصحابة سيرتهم مع النبى صلى الله عليه وسلم حتى فقهوا ونالوا ذروة الكمال فى العلوم الشرعية.
وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر فى الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة اشتهر فى قرنه بمثل ذلك.
وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحد مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف" . انتهى.
راجع "الموافقات في أصول الفقه" (4/92ـ95) لابراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي. المعروف بالشاطبي. تحقيق: عبد الله دراز.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

ذم التفقه من الصحف:

نقل بَدر الدّين ابن جماعة الكناني عن الشافعي قوله:
" من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ".

وكان بعضهم يقول:
" من أعظم البلية تشيخ الصحيفة. أي الذين تعلموا من الصحف ".
" تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم" (ص: 187).

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وللأمانة العلمية وإرجاع الفضل لأهله وحتى لا نتشبع بما لم نُعط، فقد استعنت في نقولاتي أو بعضها ـ بعد التوثق ـ بالكتاب الموسوم بـ "النقولات السلفية في الرد على الطائفة الحدادية" لأخينا الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد الأحمري. فجزاه الله عنا خير الجزاء.

ΞΞΞΞΞΞΞΞ

كتبه
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
23/1/1434هـ.



الأحد، 12 مايو 2013

[اسْتعارة المرأة للفساتين؛ هل تدخل في الحديث: «المتشبع بما لم يعط»؟]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته




[اسْتعارة المرأة للفساتين؛
هل تدخل في الحديث: «المتشبع بما لم يعط»؟]



سُئِلَ فضيلة الشَّيخ العلَّامة / عُبيد بن عبد الله الجابري -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى-: تقول: إذا لبست المرأة فستانًا استعرته لتظهر في المناسبات أمام مثيلاتها في مظهر حسنٍ وجميل؛ هل يدخل في قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما جاء في ((الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ))؟


فقالَ -حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى-: أنا ما فهمت العلاقة، إِلَّا إذا كان هذا الثوب -الفستان- يعني هي أخذته من عند غيرها، يعني استعارته؛ يعني لا تملكه، ولكن إذا ادَّعت أنه لها، يجب التَّفريق بين حالين:

• الحالُ الأولى: أنْ تستعير أو تستأجر لتظهر بين زائراتها، حتَّى تغطِّي أنَّها فقيرة، أو أنَّ زوجها فقير، وكذلك بين محارمها الوافدين عليها، ولم تدَّعِ ملكيته، وإذا سُئِلت قالت: جلبناه، أتيْنا به، جاء الله به، اسْتعملت المعاريض، فلا بأس بذلك فيما يبدو لي.

• الحالة الثَّانية: أن تدعِّي ملكيته، وأنَّه لها، وأنَّهم اشتروه بكذا وكذا، فهذا الَّذي ينطبق عليه الحديث.نعم.اهـ.

([«فتاوى موقع ميراث الأنبياء» / (02/06/1434هـ)])

الخميس، 9 مايو 2013

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة الحجاب يسأل عنها أهل العلم المتبعين للدليل


نشرت جريدة الرياض في يوم الاثنين 22 ربيع الآخر عام 1434هـ مقابلة مع بعض النساء حول حكم الحجاب بعنوان (كشف المرأة للوجه حق لا يثير فتنة) وقد طبقت النسوة هذا القول بالعمل بكشفهن لوجوههن في صورهن المنشورة في الصحيفة دون خجل أو حياء بل هو على حد قول القائل (الجواب ما ترى دون ما تسمع)، وأنا لا ألومهن أكثر مما ألوم الصحيفة التي نشرت تلك المقابلة مع ما تفوَهن به من كلام مصادم للأدلة الشرعية في موضوع الحجاب، وكأن البلد ليس فيها مرجع علمي للمسائل العامة خصوصا ما يتعلق بالنساء وكأن الناس في فوضى في أمور دينهم وأخلاقهم، وقد بدأت المقابلة بكلام فيه جرأة على الفتوى بغير علم حيث جاء فيها ما نصه: (كشف المرأة لوجهها محل خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة، ولكن حتما لم يقل أحد بتحريمه، لأنه لا يستطيع أن يأتي بالدليل الصريح الذي هو مناط الحكم والتشريع، وإنما هو اجتهاد غلبت عليه مصالح ومقاصد شرعية أخرى إلى جانب تفاوت في تفسير النصوص، فمثلا من التبس عليهم تفسير آية الحجاب لم يفرقوا بين الجلباب والعباءة والنقاب والبرقع والخمار والزينة والملابس والوجه) انتهى.

وهذا كلام فيه تخليط وتناقض نتيجة لعدم تخصص من قاله في الأحكام الشرعية وأدلتها وذلك من وجوه:

فأولا:
القول بأن كشف المرأة لوجهها [فيه خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة] يجاب عنه بأنه لو فرضنا أن في أي مسألة خلافا فإن الواجب الرجوع إلى الدليل الذي يحسم ذلك الخلاف كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".

ثانيا: وأما القول: [بأنه لم يقل أحد بتحريمه] يقال عنه: إذا لم يقل أحد بتحريمه فإباحته إذا محل إجماع، وهذا يتناقض مع دعوى الخلاف المذكور في قولهم: [كشف المرأة لوجهها محل خلاف فقهي قديم بين المذاهب الأربعة].

ثالثا: القول: [بأن المحرم لكشف الوجه لا يستطيع أن يأتي بالدليل الصريح الذي هو من مناط الحكم والتشريع]، أي لتحريم كشف الوجه نقول بل هناك أدلة من الكتاب والسنة صريحة في وجوب الحجاب وتحريم كشف الوجه منها قول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ)، والخمار هو غطاء الرأس فإذا سدل على النحر مر بالوجه فغطاه يوضح هذا قول عائشة رضي الله عنها: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه وكذلك قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، والحجاب ما يستر المرأة من ثوب ونحوه والآية وإن كانت تعني نساء النبي صلى الله عليه وسلم فحكمها عام لنساء الأمة لأنهن قدوة لهن ولأن قوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، علة عامة وهي حصول الطهارة للقلوب فالطهارة مطلوبة لكل نساء الأمة، والحكم إذا كانت علته عامة فهو حكم عام كما قرر ذلك علماء الأصول، وأيضا إذا كان هذا في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أطهر نساء العالمين فغيرهن من باب أولى إذ هن القدوة لنساء الأمة، وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، والجلباب هو اللباس الكبير الذي يضفي على جميع الجسم ويكون فوق الملابس وقد أمرن بإدنائه على الوجه ليغطيه كما فسره بذلك عبدالله بن عباس رضي الله عنهما كما في تفسير الإمام ابن كثير وغيره، وقد علل ذلك بقوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، أي يعرفن بالحشمة والنزاهة فلا يتعرضن لهن من في قلبه مرض من الفساق والمنافقين وقد دل ذلك على أن عدم تغطية المرأة لوجهها مما يطمع فيها من به مرض الشهوة من الفساق فغطاء وجه المرأة فيه حماية لها من أطماع الفساق ففي الحجاب طهارة القلوب وفيه قطع أطماع الفساق بالنساء فكيف يقال: إن وجه المرأة لا يثير فتنة، وقد أجمع العلماء على أن كشف وجه المرأة إذا كان يثير فتنة فإنه لا يجوز كشفه.

رابعا: وأما قول سهيلة زين العابدين: [فكم من امرأة لبست النقاب وفتنت مئات الرجال، وكم من امرأة كشفت وجهها وتخطى بالإحترام والتقدير]، فهو قول يخالف قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، حيث جعل سبحانه تغطية الوجه بطرف الجلباب مانعة للفتنة دالة على الحشمة والعفاف.

خامسا: وقول هنادي حجازي: [إن هناك اختلافا بين الأئمة حول مسألة كشف الوجه واختلاف الأئمة رحمة بالأمة] فالجواب عنه أن الرحمة في الإتفاق والإجماع، وأما الفرقة فهي عذاب، قال الله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، فالذين رحمهم الله لم يختلفوا، والله خلقهم للإتفاق والإجتماع ولم يخلقهم للفرقة والخلاف.

سادسا:
وقول سهام علي [إن المجتمع القديم لم يكن على هذا النحو من التشدد فكانت المرأة تخرج بزي محتشم دون غطاء الوجه في العديد من المناطق المملكة ثم تأثرت المناطق بعضها ببعض ورأينا الغطاء... إلخ].
والجواب عن ذلك أن الحجة ليست فيما عليه بعض الناس مما يخالف الدليل، وإنما الحجة والحق مع من وافق الدليل، وإذا كانت النساء في بعض مناطق المملكة يكشفن وجوههن عن جهل ولما تبين لهن الحق غطين وجوههن فهذه فضيلة تشكر لهن لأن الرجوع إلى الحق فضيلة والتمادي في الباطل رذيلة.

سابعا: وقول هناء محمد [فالمواطنون ليسوا بمعزل عن المجتمع وتطور المجتمعات حوله، كما أن برامج تعزيز الحوار والثقافات والإبتعاث وغيرها من البرامج ساعدت على تعزيز مبدأ الوسطية والإعتدال.. إلخ].
والجواب عن ذلك: أن المرأة المسلمة يجب عليها أن تتمسك بأوامر دينها في أي مكان ومن ذلك التزام الحجاب، قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله أينما كنت"، والحجاب فيه كرامة لها وقطع لأطماع الذين في قلوبهم مرض وكف للأذى عنها فكشف الوجه من مخاطر الإبتعاث التي تتعرض لها الفتاة المسلمة قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)، فالمحجبات يعرفن بالفقه فلا يؤذيهن الفاسق.

ثامنا: تمني عبير الشهراني أن تعيش حياتها دون أن يصادر أحد حريتها أو يلزمها بالحجاب إلى آخر ما قالت، نقول لها: هل الأمر بما أمر الله به ورسوله من الإلتزام بالحجاب مصادرة للحرية أو محافظة على الحرية الحقة التي هي عبودية الله فالحرية الحقة فيما يصونها ويحميها بامتثال أوامر الشرع لتكون عبدة لله لا عبدة لغيره ففي الحجاب حفظ لحريتها وفي تركه ضياع لحريتها.

تاسعا:
وقول بدرية العمري: [لماذا لا يفرض على الرجل إعفاء لحيته وتقصير ثوبه كما يفرض النقاب على المرأة] والجواب عنه أن الله قد فرض على الرجل إعفاء لحيته وحرم عليه اسبال ثوبه كما فرض الله على المرأة تغطية وجهها (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).

عاشرا: وقول سهيلة زين العابدين: للأسف الشديد الكثير اخضعوا للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية لموروث فكري وثقافي طبقا للعادات والتقاليد والأعراف التي توارثوها وعادات جاهلية لا تمت للإسلام بصلة كذا قالت وهي تزدري بذلك العلماء الذين استدلوا بالآيات والأحاديث على وجوب الحجاب وجعلت ذلك موروثا جاهليا لا يمت للإسلام بصلة بزعمها، وهذا تجهيل لعلماء الأمة وأئمتها ونسيت أن الإرث الجاهلي هو العودة إلى تقاليد الغرب الذي ضيع نساءه فضاعت أخلاقه وكرامته.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وختاما أسأل الله التوفيق لمعرفة الحق والعمل به ومعرفة الباطل واجتنابه
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
1434-04-24هـ
المصدر موقع معالي الشيخ صالح الفوزان
بسم الله الرحمنِ الرحيم


س:هل من الحياء أن يسكت الإنسان عن الشيء من دين الله يشكل عليه؟!

ج: لا،ليس من الحياء،بل هذا من الخور والجبن وضعف الشخصية،والواجب أن يسأل الإنسان عن كُلِّ شيء يتعلق بِدِينه لاسيما بعد أن انقطع الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا الآن قد أَمِنَّا أن ينزل الوحي بتحريم شيء حلال أو أو إيجاب شيء غير واجب, فَليسأل ولا يستَحِي,نعم إذا كانَ الشيء ممايستحي من التصريح به فَليُكنَّ عنه, وباب الكناية واسع, وإذا كانَ مما لابد أن يصرح به لكن أرادَ الإنسان أن تكون السؤال بينه وبينَ المسؤول فليؤخر ولابأس, أما إذا كان خالياً من هذا فإن الحياء يعني الجبن وضعف الشخصية, وهو حرام بهذه المثابة, فالواجب على الإنسان أن يسأل كما أمر الله بقوله:(فاسألوا أهلَ الذِّكِرِ إن كُنتم لاتعلمُون)..[النحل:43]..


من كتاب فتح ذي الجلال والإكرام في شرح بشرح بلوغ المرام للشيخ محمد بن صالح العثيمين..