قال الحسن البصري -رحمه الله- ( لا يغرنك قول " يحشر المرء مع من أحب" فان اليهود والنصارى يحبون أنبيائهم وليسوا معهم ، ولكن اعمل بعملهم تحشر معهم )

مواضيع المدونة

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

رسالة إلى أخت ابتليت بحرمانها من نعمة الولد للشيخ علي الرملي حفظه الله

رسالة إلى أخت ابتليت بحرمانها من نعمة الولد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛
فإنني أخاطب أختا آمنت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا ، وعلمت أن الله خلق العباد لعبادته وتوحيده ، وأرسل إليهم رسلا من أنفسهم يبلغونهم رسالاته ويعلمونهم دينه .

أختي الكريمة إذا كنت ممن يحمل الإيمان الذي ذكرت فاعلمي أن الله لم يخلقنا ويتركنا هملا ولا أرسل لنا رسلا كي يتركنا وهوانا ؛ إن شئنا أن تبعهم اتبعناهم وإن شئنا أن نتركهم تركناهم ، بل أرسل الرسل وألزمنا بتصديقهم واتباعهم وتوعد من لم يتبعهم بعذاب أليم .
فمن الناس من أطاع واتبع ، ومنهم من تكبر وكفر .
ومن أطاع منهم واتبع طائفتان طائفة صادقة وطائفة كاذبة ولتمحيص ومعرفة الصادق من الكاذب اختبر وامتحن الله عباده بأنواع الابتلاءات
قال سبحانه وتعالى { الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}

قال الإمام البغوي رحمه الله :{ الم أَحَسِبَ النَّاسُ } أَظَنَّ الناسُ ، { أَنْ يُتْرَكُوا } بغير اختبار ولا ابتلاء، { أَنْ يَقُولُوا } أي: بأن يقولوا، { آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ } لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم؟ كلا لنختبرنهم ليبَّين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب.{ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يعني الأنبياء والمؤمنين، فمنهم من نُشِرَ بالمنشار ومنهم من قتل، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب 66/ب ، { فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا } في قولهم آمنَّا، { وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } والله أعلم بهم قبل الاختبار. ومعنى الآية: فليظهرنّ الله الصادقين من الكاذبين حتى يُوجِدَ معلومَه، وقال مقاتل: فليريّن الله. وقيل: ليمّيزن الله كقوله: "ليميز الله الخبيث من الطيب" .

وقال ابن كثير : أي: الذين صدقوا في دعواهم الإيمان مِمَّنْ هو كاذب في قوله ودعواه. والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون . وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة؛ ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل: { إِلا لِنَعْلَمَ } [البقرة: 143]: إلا لنرى؛ وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.ا.هـ

وقال الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)

قال ابن كثير رحمه الله {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الاَخرة. ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك، فقال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} أي ثناء من الله عليهم. قال سعيد بن جبير: أي أمنة من العذاب {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدلان ونعمت العلاوة {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} فهذان العدلان {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} فهذه العلاوة وهي ما توضع بين العدلين وهي زيادة في الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً.ا. هـ


وقال عليه الصلاة والسلام : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .


وقال : "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .

وقال : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب ( وفي رواية : قدر ) دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة " .

فاعلمي أختي الكريمة أن الله ابتلاك بهذه المصيبة امتحانا واختبارا لصلابة دينك وقوة إيمانك فكوني كما أراد الله منك أن تكوني ولا تجعلي حب الدنيا وشهوته تغلب عليك فيضيع منك ما أعد الله لك من نعيم الدنيا والآخرة إن أنت صبرت على بلائك . وتذكري ما ابتلي به غيرك من بلاء وقارني فسيظهر لك أنك في نعيم كبير أمامهم ، وتذكري ما أعد الله للصابرين ، واحمدي الله على نعمه ومن أعظمها نعمة الصبر على البلاء .
وأخيرا أوصيك بكثرة الدعاء والتضرع بين يدي الله وخصوصا في السجود في الثلث الأخير من الليل من غير يأس
ومن غير أسئلة تدل على اليأس أو القنوط من رحمة الله أو الاعتراض على قدر الله .
وفقك الله لما يحب ويرضى ، وثبتنا وإياك على الحق .


هناك تعليق واحد:

  1. إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
    كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا ، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا . ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب ، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام ، وهم : الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك ، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول ، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز .
    وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة ، وزوجة خليفة ، وأخت أربعة من الخلفاء ، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ، ويقال : إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ ، وتغنى بهما الشعراء ، وكانا وحدهما يساويان كنزا . ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن
    عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأد سم المأكولات وأندرها وأغلاها ، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر ، لاستطاعت ذلك . إلا أني لا أذيع مجهولا بين الناس إن قلت : إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون ، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين ، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة ، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك ، فلا يجدونه ، بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه ، وأنهم يجدونه متى شاؤوا ، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ، ليكونوا أرفع منها ، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ، ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن
    كون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء ، فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة ، وتمتعت بحلاوة الاعتدال ، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف . بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله ، فاستجابت له ، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها ، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين . وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا ، فجاءها أمين بيت المال ، وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي ، وإني اعتبرتها أمانة لك ، وحفظتها لهذا اليوم ، وقد جئت أستأذنك في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة
    لأمير المؤمنين ، ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة ، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات ، وبذلك كتب الله لها الخلود ، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور ، رحمها الله ، وأعلى مقامهما في جنات النعيم .
    إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ، وكل عيش مهما خشن أو نعم ، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه ، والسعادة هي الرضا ، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه ، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني ، جعلنا الله من أهله .
    17 ذي الحجة سنة 1371 ه
    7 سبتمبر سنة 1952 م
    محب الدين الخطيب
    من كتاب آداب الزفاف..للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

    ردحذف